البساطة واحدة من الأدوات السحرية التي قد
يمتلكها أو يفتقدها أي ممثل، وأحيانًا حين يتخلى عنها الفنان فقد تخلى عن الوريد
الذي يوصل إحساس الممثل للمشاهدين، ومي عمر واحدة من الفنانات اللاتي يمتزن بسلاسة
وبساطة متناهية في أدائها التمثيلي بشكل كبير، وربما عفويتها وبساطتها السبب وراء
حب الجمهور لها.
منذ عامات تكلمت عن أداء مي عمر التمثيلي
الجيد في مسلسل "ريح المدام" وهو عمل كوميدي تشاركت فيه البطولة مع
أثنان من أهم الكوميدانات الصاعدين، واستطاعت أن تزاحم وقتها وتضوي نورًا بينهما
وهذا كان أمر لافت وقتها هاجمها البعض إلا أنني كنت أثق في عفويتها وموهبتها
اللتان ستساهمان يومًا أن تكون واحدة من أهم الفنانات على الساحة، وهذا العام
تتواجد في مسلسل "ولد الغلابة" بشخصية لا يمكن أن نقول عنها بسيطة،
فالبساطة لا تتواجد في شخصًا فقد كل شيء حتى حريته، مي استطاعت خلال أحداث العمل
أن تجعل المشاهد أن يصدق غضبها الذي قد يجعل منها قاتلة الرجل الذي تزوجها عنوة،
وزج بأبيها في غياهم السجون، وسلبها حريتها، تلك الأحداث المتلاحقة عصفت بفتاة
شابة لم تدرك بعد كيف تقوى على مواجهة الحياة، ولكن يبدو أنها كانت مع معدن صلد
ونفيس، فزادتها صلابة وقوة، حتى اهانات زوجها ومحاولات كسرها فشلت، فالشخصية
تركيبتها معقدة، فمي جسدت اللين والقسوة، الكبرياء والانكسار، الحب والكراهية،
وتلك المشاعر المتضادة والمتواجهة، واستطاعت أن تعبر عن الإحساس بنظراتها،
وانفعالاتها، فقدمت قدرة كبيرة على التجول
بين انفعالات متضادة في مشهد واحد ببراعة متناهية، فتراها تتعرض للانكسار والهوان
وخلال 5 ثوان تتحول نظرات الضعف لتحد، وتتمالك جسدها الذي انهكه الاعتداء بالضرب،
ليتحول إلى وضعية الهجوم، ومن الأدوات التي جاءت من صدقها للشخصية هو لغة الجسد
التي قامت بما تبقى للمشاهد ليصدق الشخصية، ولغة الجسد يتحكم فيها الأحساس
الداخلي، ومي قد آمنت وصدقت ما تقدم فساندتها لغة الجسد.
وهناك اختبار عادة ما أقوم به، وهو مشاهدة
الأعمال التي أريد أن أعرف ما إذا كانت لغتها التمثيلية جيدة من عدمه، وذلك عن
طريق كتم الصوت، ومشاهدة العمل بدون سماع الحوار، وأحاول تكوين الانطباعات عن كل
شخصية من خلال انفعالاتها ولغة الجسد الخاصة بها، غالبًا ما يحدث لدي فراغات كبيرة
في أداء بعض الممثلين لعدم قدرتهم في التعبير عن الشخصية دون الصوت، وأنا لا أنكر
أهمية الصوت، ولكن بدون الصوت تكشف عن معدن الفنان واحساسه، ومي أعطتني الانطباع
كاملا بنظراتها، وانفعالاتها، وهو ما يعكس مدى صدقها، وعفوية موهبتها، وإيمانها
بما يقدم، فتكون حواسها أجمع مسخره لمساندتها فيصدقها الجمهور، بجانب أنها لا
تلتفت للمشككين في موهبتها، بل تعمل بشكل دؤوب على تطوير أدائها باستمرار، فالنجاح
لا يأتي إلا من التعثر أحيانًا، وهي استطاعت أن تجعل عثراتها سلمًا لترتقي عليه
بموهبتها.
في النهاية: كل فنان له ما يميزه وما يعيبه،
ومي واحدة من مشاريع النجمات اللاتي سيحملن أعمال كاملة مع أكتافهن، فهي تمتلك
قبول كبير، ووجه مريح على الشاشة، ويتطور أدائها بشكل ملحوظ، فهي تمتلك كافة
مقومات النجم، والفنان الجيد، والاثنان لا يجتمعان إلا نادرًا، وقد اجتمع بمي.
تعليقات
إرسال تعليق