كتب- أحمد الروبي
لعلها المرة الأولى التي أتابع الدراما التونسية، كان عندي بعض الخلفيات عن
الإنتاج الدرامي ومستوى الأعمال وفق بعض المتابعات الخفيفة، ولكن لم أشاهد عمل
درامي تونسي حتى هذا العام حين علمت أن درة لن تتواجد في الدراما المصرية ، بل
ستتواجد بعملين أحدهم دراما تاريخية والأخر مسلسل تونسي "المايسترو" وهو
ما سنتحدث عنه باستفاضة قررت مشاهدته.
مع متابعتي لما قبل عرض العمل وجدت تصريحات
درة حوله أنه تجربة إنسانية أثرت فيها، ولم أفهم ذلك حتى بدأت مشاهدة أحداثه التي
تدور حول إصلاحية تعمل بها "رقية" وهو الدور الذي تلعبه، درة تجسد في
العمل الماء العذب الذي يروى ظمأنًا لم يرتوي منذ عدة أيام، فهي إنسانة تحاول أن
تتعامل مع الشباب باللين، وترى أن المعاملة الأدمية هي ما يستحقونها على عكس كافة
العاملين في الإصلاحية، وتلك الشخصيات التي تشع أحاسيس، وتفيض مشاعر صعبة للغاية،
فهي أما تصل للجمهور وتمس احساسه، أو لا تصل على الإطلاق، لا يوجد وسط فيها، ولا
يمكن أن يكون دور قدم بشكل متوسط فلن يصل للجمهور على الإطلاق، ودرة في العمل قدمت
واحد من أبرز وأهم أدوارها الإنسانية على، وعرفت الآن كيف أن التجربة لامستها، فهي
لو لم تلمسها لكنت الآن أصب سخطي على دور سيء لعبته، إلا أنها أجادت بامتياز،
الدور يمر بمراحل وتقلبات في الشخصية مستمرة، فهي شابة كسر شيء بداخلها لوفاة أمها
وهي صغيرة، تعيش مع زوجة أبيها التي تحبها، ولكن موت الأم يكسر جانب في الأبن،
وهذا يبرر لينها مع الشباب في الإصلاحيةـ فطوال الوقت تحاول أن تكشف عن المعدن
الجيد بداخلهم، وتنمي قدرتهم على التواصل مع العالم الخارجي، وتعرف مدى قدرة
الأحاسيس الجيدة على طرد قريناتها السيئة، وتسعى لأن تخرج طاقة الغضب المكبوتة في
أعماقهم من خلال الموسيقى والرياضة، لتنقي روحهم، وتجعلها عذبة، لم يكن ذلك الملمح
الوحيد للشخصية، فهي فتاة ساكنة، تسعى لان يفوز الحق دائمًا، رقيقة وطيبة المشاعر،
عاطفية، وتحاول طوال الوقت أن تبدو صلبة وصلدة، تأثر ببساطة، ولكنها تداري بعمق
داخلها، تلك المشاعر ونواقضها لا يمكن أن يشعر بها المشاهد ولا الكاتب عن العمل
إلا أنها وصلته، وصل ما ظهر من الشخصية وما بطن، وهذا يعكس مدى العمق الذي استطاعت
أن تفرضه بروقية، فيجعل المتفرج يصب تركيزه ويترك لمشاعره العنان لتكتشف رقية، ولم تتوقف انفعالات وملامح الشخصية عند هذا الحد ولكن يبدوا أنها على أعتاب الإصابة بمرض صعب، وذلك وفق ما شاهدت، وربما هذا سيضع رقية في تحد مع مرضها، بجانب التحديات التي تواجهها في الإصلاحية.
كل ما سبق كان الحديث عن تفاصيل الشخصية
والملمح الداخلي لها، إلا أنني لم أتحدث عن تطور أداء درة الملفت، فهي تقدم أدوار
مختلفة دائمًا، وتمر على مناطق تمثيلية جديدة عليها ولكنها تمتلك أدوات تدفعها
للنجاح في تجارب جديدة، كما أن اتجها درة هذا العام للجمهور التونسي كان مغامرة
محسوبة، فهي غائبة عنهم لسنوات، تواجدت فيها في الدراما المصرية، وذلك أحتاج شجاعة
منها، وثقة في أدائها، ويبدوا أن مغامرتها نجحت، وشجاعتها قد وفت بالغرض، واستطاعت
أن تكسب قلوب التوانسة، فألاف التعليقات على مواقع التواصل تشيد بالعمل، وبأداء
درة بشكل خاص، وربما ستقع درة مستقبلا في حيرة مطالب جمهورها بضرورة التواجد في
الدراما التونسية، والمصرية بشكل متوازي.
في النهاية أنا من المؤمنين بمهوبة درة، وأعرف
أنها تمتلك ذكاء فني كبير، وهو العامل الأهم والأوحد في صناعة النجم، فالموهبة لا
تكفي لصناعة نجم، ولكن الذكاء الفني يصنع النجوم مثل درة، مثلما صنعت من اسمها،
نجما في سماء الدراما العربية.
تعليقات
إرسال تعليق